برشيد وفنيش يستحقان كل التكريم"هي وبناتها في سيرك الدنيا"..ثالوث السحر المسرحي الذي جمع العمالقة
مصدر الخبر: الرباط ـ المصطفى الصوفي، ونُشر بواسطة: أبابريس شوهد 870 مرة، منذ تاريخ نشره في 2013/03/19
|
في باردة اعتبرها العديد من المتتبعين متميزة للغاية، أقدمت وزارة الثقافة الجزائرية في ال 12 من شهر مارس الجاري، بالعاصمة الجزائر، على تكريم المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد، وذلك بمناسبة العرض ما قبل الأول لمسرحية"هي وبناتها في سيرك الدنيا" لفرقة مسرح الزرييق.
وقد خلفت هذه المسرحية الأنيقة في طرحها، والتي ألفها عبد الكريم برشيد، وأخرجها المبدع عبد المجيد فنيش انطباعا جميلا لدى الجمهور الجزائري، لما للمسرحية من رؤية إبداعية راقية، تحاور الفكر، وتلامس قيم الروح والمجتمع، وتتفتق عن موهبة خارقة في الحكي، وتناسل الأحداث على الركح، وخلق الفرجة للمتلقي.
وقد برع فنيش في إخراج هذا العمل المسرحي المتميز، بطريقة إبداعية لا تخلو من لمسحة سحرية تزاوج بين المتعة البصرية، وما يتطلبه النص من فضاءات، تجمع سحر البساط بالحلقة اعتمادا على آلية التمثيل، وتكسير الإيهام عبر الانفلات من التقمص والاندماج للحظة الهاربة ثم العودة إليها من جديد.
تكريم برشيد في الجزائر صورة واضحة المعالم، واعتراف مشهود لقيمة المسرحيين المغاربة، ولبرشيد على ما قدمه وما يزال، حيث في"سيرك الدنيا" يلتقي بأحد أعمدة المسرح المغربي، ويتعلق الأمر بفنيش، ليؤسس الاثنان معا، صرحا فنيا لا تقاوم فرجته الراقية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وبهذا العمل المتميز من أزجال الفنانة والمبدعة زهور الزرييق، ألحان تلك الأزجال والعزف، من توقيع محمد المتوكل وملابس حليمة الطالب، تشخيص كل من الزرييق ورشيدة منار وفاطمة بوجو ولمياء خربوش، والإدارة وتقنيات الخشبة طارق بقالي، بهذا العمل المتميز، يكون فنيش وبرشيد قد أنجزا معا عشرة أعمال منذ أول لقاء بينهما في مسرحية (العنترية) عام 1982 مرورا بشطحات جحجوج وعجيب وغريب والوالي والبهلول، وصولا إلى (يا ليل يا عين) التي كانت أول عمل، جمع هذان الهرمان، ويتناول تجليات التطرف بعد أحداث 16 ماي الدامية.
وقد وفق المخرج فنيش في المزج بين تقنيات فرجات السيرك وتقنيات المسرح الشعبي، حيث يقوم العمل على الدينامكية المتجددة، إذ يحضر الرقص بمختلف ألوانه(شرقي غربي شعبي، ميكانيكي بطريقة كاريكاتورية، كتيمة أساسية لهاته الحركة. كما أن الإنارة في هذا المشرع تعتبر مرتكز بناء الأمكنة، حيث تم توزيع الفضاء عبر البقع الضوئية إلى أمكنة افتراضية منها برج المراقبة وساحة عامة، فضلا عن المقصورة والعربة وغيرها.
كما جعل المخرج من الكلمة الزجلية الموحية مرتكزا مهما في تيمة الحكي، وذلك من خلال وصلات زجلية شاعرية للمبدعة الزرييق كداعمة للنص الأصلي، وكذلك من خلال الأغاني والثراتية التي يرددها الراوي داخل القاعة خاصة عند الانتقالات في الخشبة من مشهد إلى آخر.
عموما يمكن تصنيف المسرحية ضمن الدراما النفسية التي تنبني على صراع بنات الأفكار، بطريقة فلسفية راقية، حيث تنساب أحداث العمل داخل فضاءات مجردة وتنوب الكلمات في الإيحاء عن مكونات وحدود تلك الفضاءات.
يفهم من تلك الإيحاءات أن الفضاءت المقصودة هي هذا السيرك الكبير الذي نحياه في عالم السيرك المفترض تقرر الحكواتية التي تعودت على ترويض الحيوانات أن تنتقل إلى ترويض من نوع أخر، وهو ترويض الأفكار، حيث تبتكر شخصيتين تخرجهما إلى الوجود، وتمتعهما بحرية الاختيار، لكن سرعان ما تنفلت الشخصيتان المبتكرتان من قبضة مبتكرتهما، وبالتالي تفشل الحكواتية في استردادهما إليها.
إن المسرحية التي عرضت بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وقفة تأمل أمام الذات وخيالاتها، بأسلوب يعتمد القوة التشخيصية والتلوينات الإلقائية خاصة داخل فضاء مجرد ومفتوح.
إلى هنا يمكن اعتبار هذا العرض المسرحي، الذي سيقوم بجولة بعدد من مدن المملكة، فضلا عن مشاركته في مهرجانات وطنية وعربية ودولية، قد نحج في الجمع بين عملاقين ورائدين حقيقيين للمسرح المغربي، وبالتالي فإن أقل ما يمكن رده من جميل إلى هؤلاء العملاقين، هو تكريمهما في ختام كل عرض من عروض المسرحية، تكريم يليق بهؤلاء الفنانين لما أسدياه للمسرح المغربي والعربي من خدمات راقية، تسعى في العمق إلى ترسيخ قيم الفن النظيف والنبيل والسامي، وتكريس روح الإبداع الخلاق، وصنع الفرجة الحقيقية التي يرتضيها الجمهور.ودعم للفنون الجميلة التي تراهن في الأساس على خلق دينامية حقيقية في المجال الثقافي برمته، وبالتالي فإن هذا العمل يمكن اعتباره ثالوث السحر الفني والمسرحي الذي جمع بين إخراج جيد، وتأليف محكم ورزين، وحكي زجلي مبهر، ثالوث صنع المتعة البصرية المشتهاة، ومنح للجمهور فرجة ممتعة نقية، تخلص الروح، وتريحها من رزايا القلب والروح.