الغيمة ديوان جديد للشاعر التونسي محمد شكري ميعادي تقديم مصطفى لغتيري.

مصدر الخبر: ، ونُشر بواسطة: أبابريس
شوهد 1221 مرة، منذ تاريخ نشره في 2012/12/31
صدر حديثا بتونس ديوان شعري جديد للشاعر التونسي محمد شكري ميعادي، تزين غلافه لوحة للفنانة الفلسطينية رفيدة سحويل ،و يذكر أن الشاعر معيادي ابن مدينة " توزر" في الجنوب التونسي ، وهي مدينة الشاعر العربي الكبير أبي القاسم الشابي المعروفة بمدينة الجريد، و قد كتب مقدمة هذه المجموعة الشعرية الكاتب المغربي مصطفى لغتيري و جاء فيه :
"بعد أن عودنا الشاعر التونسي محمد شكري ميعادي على تشنيف مسامعنا بقصائده ، المسجلة في الأقراص المدمجة ، ها هو يفاجئنا جميعا بديوانه الورقي ، الذي يضم أجمل قصائده و أبهاها.. تلك القصائد التي أصغى إليها الكثيرون في اللقاءات الشعرية ، أو عبر الوسائل السمعية السالفة الذكر.
إن المطلع على هذا الديوان الجميل لا بد أن تستوقفه الكثير من الملاحظات الإيجابية ، التي ميزت قصائده ، و أهم هذه الملاحظات فضيلة التنويع ، التي طالت المضامين و تكنيك الكتابة معا ، فبين دفتي هذا الديوان سيجد القارئ نفسه منغمسا في خضم مضامين وطنية ، تنكأ الجرح بإصرار، حتى لا يلتئم قبل الأوان، و في النفوس ما يزال شيء من ألم ، ينحفر عميقا في القلب و الذهن ، يقول الشاعر في قصيدة "تونس":
بلادي
لقد سمل الليل عيني قهرا
فكوني بظلمة دربي ضياء
و كوني الدليل
و كوني إن شئت قاتلتي
سيسعدني أن أكون
القتيل.
يتغنى الشاعر بوطنه دون أن يفوته التماهي مع بعده المحلي العميق ، المتمثل في بلاد الجريد الجنوبية ، مقتضيا في ذلك بقول العارفين بأسرار الأدب ، الذين يصرون على أن الكاتب الذي لا يستثمر معطيات بيئته المحلية في الكتابة يفوته الشيء الكثير ، و من هذا التوظيف نقرأ ما قاله الشاعر في قصيدة"جنوب الكلام":
شمالا
ستلهو بسمرة وجهك
موجة بحر
و نسمة صيف فتنسى حرارة شمس الجريد
وتنسى نخيلا
كريما كأهلك كان
ككل بلاد الجنوب
كما أن الهموم القومية و الإنسانية حاضرة في الديوان ، كل بمقدار ، ليعطي الشاعر لأشعاره أبعادا رؤيوية عميقة ، تجعل منه أحد الشعراء المعنيين بمصير أمته و الإنسانية جمعاء ، و من القصائد التي حضر فيها الهم القومي نقرأ في قصيدة "نزيف":
وصفتي
أن يظل العراق حزينا
أن يستمر
بباقي الخلايا النزيف
أما على مستوى تكنيك الكتاب فيمكن أن نلاحظ طغيان الباردويا أو ما يمكن تسميته بالمحاكاة الساخرة ، هذه الميزة التي نفتقدها في دواوين الكثير من الشعراء ، هنا- على العكس من ذلك- نلمس لها حضورا قويا و مكثفا ، تجلله رمزية ملفتة ، كما هو الشأن في قصائد : "ميكرفون" و " سلمان" و "مكالمة من هاتف مراقب " و "رفع الالتباس" .
و وعيا منه بأهمية النفس الدرامي ، الذي يساهم في تخليص الشعر من غنائيته المفرطة ، التي طبعت القصيدة العربية عموما عبر تاريخها الطويل ، التجأ الشاعر إلى توظيف بعض التقنيات الكتابية ، التي تسعفه في تحقيق ذلك ، و من بينها استثمار البعد الحكائي في نسج قصائده ، لذا سيجد القارئ نفسه أمام نصوص يتخللها السرد أو روحه على الأقل، كما تجلى مثلا في قصيدة "إيقاظ علمي "، التي تخللها الحوار كذلك ، و ليس هناك أفضل من الحوار لتأجيج درامية المواقف ، لأنه يعطينا على الأقل وجهتي نظر مختلفتين، و هذا مما يساهم في إكساب القصيدة تعددا في الأصوات ..
و إن كان الشاعر قد اعتمد في نسج قصائده على قصيدة التفعيلة ليخلق إيقاعا خارجيا ملحوظا ، فإنه لم يكتف بذلك، بل عضده بالإيقاع الداخلي من خلال استثمار الجناس بأنواعه، كما عمد إلى التكرار ليعطي نفسا إيقاعيا محببا لنصوصه.
أما على مستوى اللغة فقد اعتمد شكري في تدبيج قصائده - كعادة الشعراء الكبار- على لغة واضحة ، تأبى أن تكون لغة معجمية ملغزة ، تفرض على القارئ اللجوء إلى القاموس لفك شفرتها ، بل جاءت لغة سمحة و متسامحة ، تمنح نفسها بسهولة و يسر ، لكن حذار ، فوراء هذه البساطة المخاتلة عمق لن يصل إلى إدراك كنهه إلا من من تخلص من وهم البساطة هاته، و لم تنطل عليه حيلتها، فكل قصيدة من قصائد شكري تراهن على معنى ظاهر يمنح نفسه لجميع القراء ، و معنى باطن دونه كد الذهن و استعمال ألية التأويل .
لكل ذلك و لغيره ، اعلم أيها القارئ أنك بمصافحتك لهذا الديوان ستكون إزاء تجربة شعرية مختلفة ، تستحق أن تحيطها بعنايتك الخاصة ، فليس في كل مرة تتاح لك فرصة قراءة ديوان من هذا القبيل.